في خضم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، برزت قضية الرسوم الجمركية كأداة ضغط تستخدمها الحكومات لإعادة تشكيل ميزان التجارة العالمي. وعندما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض تعرفات جمركية جديدة على الواردات الصينية والأجنبية، لم يكن الأمر مجرد خلاف تجاري، بل نقطة تحول استراتيجية دفعت العديد من الشركات نحو خيار بدا حتى وقت قريب بعيد المنال: الاستثمار في الروبوتات والأتمتة.
ما هي التعرفة الجمركية؟
التعرفة الجمركية هي ضريبة تفرضها الدولة على السلع المستوردة، بهدف حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، أو للضغط السياسي والتجاري. وفي عام 2018، فرضت إدارة ترامب تعرفات جمركية تصل إلى 25% على سلع تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، مستهدفة بشكل أساسي المنتجات الصينية، في محاولة لتقليص العجز التجاري الأمريكي وتحفيز الإنتاج المحلي.

الروبوتات: من ترف إلى ضرورة
في السابق، كانت تكلفة نشر الروبوتات الصناعية مرتفعة، تقتصر على شركات عملاقة أو قطاعات متخصصة مثل صناعة السيارات. أما اليوم، فقد شهدنا انخفاضًا كبيرًا في تكاليف الروبوتات، بالتوازي مع تحسن كفاءتها وسهولة دمجها في بيئات الإنتاج المختلفة.
بحسب تقرير صادر عن Oxford Economics، فإن كل روبوت جديد يُضاف إلى ساحة الإنتاج يؤدي إلى زيادة في الإنتاجية بنسبة 30% في بعض الصناعات، مع تقليص الحاجة إلى العمالة منخفضة المهارة.
وبعد فرض الرسوم الجمركية، أصبحت الشركات تواجه معادلة واضحة:
“إذا كانت تكاليف الاستيراد والعمالة الخارجية ترتفع، فلم لا نستثمر في التكنولوجيا التي تقدم إنتاجًا أرخص، أسرع، وأكثر استقرارًا؟”
من الهروب من الرسوم إلى تسريع الابتكار
في مواجهة ضغوط الرسوم، لم تسعَ الشركات فقط إلى تغيير مصادر التوريد أو نقل مصانعها إلى دول أخرى، بل توجهت إلى إعادة التفكير في هيكلها التشغيلي بالكامل. الأتمتة لم تعد خيارًا بعيد الأمد، بل تحولت إلى استراتيجية لتقليل التكاليف، حماية سلاسل التوريد، وتعزيز الاكتفاء المحلي.
شركة مثل Adidas، على سبيل المثال، أغلقت مصانعها التقليدية في آسيا وأنشأت ما يُعرف بـ “Speedfactories” في أوروبا والولايات المتحدة، تعتمد على الروبوتات والطابعات ثلاثية الأبعاد لتقليل الاعتماد على العمالة الخارجية.
هل تنهي الأتمتة عصر العمالة الرخيصة؟
لا يمكن القول إن الروبوتات ستلغي الحاجة إلى البشر بالكامل، لكنها ستُعيد تعريف دور العامل. العمالة منخفضة المهارة ستتقلص، في حين سيرتفع الطلب على مهارات مثل البرمجة، الصيانة، والتحليل التشغيلي.
ومن المفارقات الاقتصادية أن القيود التجارية التي تهدف إلى حماية الوظائف المحلية قد تؤدي إلى تسريع تقنيات تستبدلها، خصوصًا في القطاعات التي يمكن أتمتتها بسهولة مثل الصناعات الخفيفة، الإلكترونيات، وحتى الخدمات اللوجستية.
الختام: البديل الذكي… مكلف في البداية، مربح في النهاية
رغم أن الاستثمار في الروبوتات يتطلب رأس مال مبدئي كبير، إلا أن المردود طويل الأمد يبدو جذابًا في ظل التقلبات الجيوسياسية، التضخم في أجور العمالة، واضطرابات سلاسل الإمداد. وفي ظل عالم اقتصادي سريع التحول، يبدو أن سؤال “هل تحل الروبوتات محل العمالة الخارجية؟” قد استُبدل بسؤال أكثر واقعية: “متى ستفعل ذلك؟”
شارك رأيك في التعليقات: هل تؤمن بأن الأتمتة هي مستقبل الصناعة؟ أم أن الإنسان سيظل القلب النابض للإنتاج؟
المراجع
- McKinsey Global Institute. What the Future of Work Will Mean for Jobs, Skills, and Wages.
https://www.mckinsey.com/featured-insights/future-of-work - Oxford Economics. How Robots Change the World – What Automation Really Means for Jobs and Productivity.
https://www.oxfordeconomics.com/resource/how-robots-change-the-world - Reuters. Adidas to close robot “Speedfactories” in Germany and U.S.
https://www.reuters.com/article/us-adidas-speedfactory-idUSKBN1XF1CV - The Brookings Institution. Automation and Artificial Intelligence: How machines are affecting people and places.
https://www.brookings.edu/research/automation-and-artificial-intelligence/ - Harvard Business Review. The Economics of Robots and Automation.
https://hbr.org/2019/07/robots-are-starting-to-make-jobs-less-meaningful - World Economic Forum. Future of Jobs Report 2023.
https://www.weforum.org/reports/the-future-of-jobs-report-2023
Add comment
Comments