
بقلم: Technology Magazine by Sulafa
في ربيع عام 2025، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أكثر من 1000 خبر سياسي واقتصادي كتبها برنامج ذكي يُدعى Heliograf. لم يكن ذلك زلة تقنية، بل كان بداية لتحوّل جذري في مهنة لطالما ارتبطت بالإنسان: الصحافة. فهل سنشهد بحلول 2030 صحافة بلا صحفيين؟ وهل ستصبح الروبوتات هي التي تروي لنا القصص وتحلل الأحداث وتنقل الأخبار؟ لنغص معًا في هذا التحول الزلزالي، من قلب غرف التحرير إلى عقول الخوارزميات.
عندما يكتب الذكاء الاصطناعي الخبر
الصحافة الآلية ليست خيالًا علميًا. فقد بدأت كبداية متواضعة في تغطية نتائج المباريات أو تقارير الأرباح، ثم تطورت لتشمل تحليل البيانات، كتابة تقارير مالية، بل وحتى صياغة مقالات رأي بناءً على المزاج العام في الشبكات الاجتماعية.
شركة Associated Press تستخدم منذ عام 2014 منصة تُدعى Wordsmith، والتي تنتج آلاف المقالات سنويًا عن الأسواق المالية. تعتمد على البيانات الجافة، وتعيد تشكيلها في قوالب لغوية مفهومة وسريعة النشر. وبهذا، أصبحت خوارزمية واحدة أكثر إنتاجية من غرفة تحرير كاملة.
المصدر: Associated Press – Automated Insights
لماذا تلجأ المؤسسات الإخبارية إلى الروبوتات؟
- السرعة: الروبوتات تكتب في ثوانٍ، وتنتج آلاف النصوص في وقت قياسي.
- التكلفة: خفض النفقات التشغيلية بات أولوية في ظل التراجع العالمي لعوائد الإعلانات.
- الحياد الظاهري: الخوارزميات تكتب دون تحيّز شخصي (لكنها ليست محايدة دومًا، كما سنرى لاحقًا).
هل يمكن للروبوت أن يكون صحفيًا؟
الصحافة ليست فقط نقل المعلومة، بل تحليلها، وضعها في سياقها، بل أحيانًا معارضتها. فهل تقدر الخوارزميات على:
- كشف الفساد؟
- إجراء مقابلة إنسانية؟
- اتخاذ موقف أخلاقي من خبر مضلل؟
الجواب حتى الآن: ليس تمامًا. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على ما يُغذّى به من بيانات، وهو عاجز عن التفكير الأخلاقي أو الانحياز الواعي لمصلحة عامة. وبدون إشراف بشري، يمكن أن يكرر خطاب كراهية أو ينشر أخبارًا زائفة.
دراسة موثقة: جامعة أكسفورد وجدت أن 60% من الأخبار الآلية التي اختبروها اعتمدت على مصادر غير موثوقة بسبب غياب التحقق البشري.
المصدر: Reuters Institute - Journalism, Media, and Technology Trends 2024
الصحفي البشري: هل سيتحول إلى “محرر روبوتات”؟
ربما لا يختفي الصحفي، بل يعيد تعريف نفسه. سيصبح دوره:
- مراقبة أداء الذكاء الاصطناعي
- تدريب الخوارزميات على الأسلوب والسياق المحلي
- التحقق من صحة الأخبار المنتجة آليًا
وبهذا، يتحول الصحفي من كاتب إلى مُشرف تقني-تحريري، في مزيج فريد من المهارات الأدبية والتكنولوجية.
هل نحن أمام نهاية الصحافة التقليدية؟
لا يمكن للروبوت أن يكون شاهدًا على حدث، ولا أن يكتب بنبرة إنسان يعاني أو يحتفل. لكن في المقابل، سيكون الذكاء الاصطناعي أداة لا يمكن تجاهلها.
إذا نظرنا إلى 2030، فربما نجد مشهدًا هجينيًا:
روبوتات تكتب… وصحفيون يقرّرون.
رأي المجلة
نحن في “Technology Magazine by Sulafa” نؤمن أن مستقبل الصحافة لن يكون أبيض أو أسود، بل مزيجًا ذكيًا من إبداع الإنسان ودقة الآلة. التحدي الآن هو كيف نُبقي الصحافة إنسانية في زمن أصبح فيه حتى الحبر رقميًا.
Add comment
Comments